كتبت تهاني عناني
قال تعالى(سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلٗا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِي بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنۡ ءَايَٰتِنَآۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ)(الإسراء1)
الإسراء:- هي تلك الرحلة الأرضية التي تمت بقدرة الله من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، والوصول إليه في سرعة تتجاوز الخيال، يقول تعالى في سورة الإسراء(سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلٗا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِي بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنۡ ءَايَٰتِنَآۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِير).
وأماالمعراج:- فهو الرحلة السماوية والارتفاع والارتقاء من عالم الأرض إلى عالم السماء، حيث سدرة المنتهى، ثم الرجوع بعد ذلك إلى المسجد الحرام، قال تعالى (وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى، عِنْدَ سِدْرَةِالْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى، إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى، مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى، لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) (النجم 18:13)
وقد حدثت هاتان الرحلتان في ليلة واحدة، في السنة الحادية عشرة من البعثة، وقبل أن يهاجر الرسول من مكة إلى المدينة، وذلك بعد أن فقد النبي محمد زوجته خديجة وعمه أبو طالب اللذين كانا يؤانسانه ويؤازرانه، وضاقت الأرض به نظراً لما لاقاه من تكذيب من قبل المشركين، فسميت تلك السنة بعام الحزن، وجاءت أيضاً-ليلة الإسراء والمعراج- بعدما أوذى النبي صلى الله عليه وسلم أثناء دعوته أهل الطائف للإسلام، وحرّضوا سفهائهم فقاموا برميه بالحجارة حتى سال الدماء من قدمه الشريف، فركن إلى شجرة ودعا ربه، بالدعاء الشهير قائلا(اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحل على سخطك، لك العُتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك).
فيرسل الله إليه جبريل عليه السلام مع ملك الجبال ويقول له جبريل لو شئت نطبق عليهم الجبال فيقول الرسول الرحيم(لا- لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحّد الله) فكرّمه الله تعالى بقدرة إلهية وآنسه بحادثة الإسراء
والمعراج، فبعث إليه جبريل عليه السلام ليحمله على البراق “ما بين البغل والحمار”، شديد البياض ويتميز بسرعته الفائقة، فركبه هو وجبرائيل حتى وصل إلى بيت المقدس، وصلى هناك بالأنبياء،
ثم عرج به إلى السماء، واستأذن له جبرائيل عند كل سماء، فيؤذن له، ووجد في السماء الدنيا آدم، أباه عليه الصلاة والسلام، فرحب به وقال مرحبًا بالنبي الصالح، والابن الصالح. ثم أتى السماء الثانية وجد فيها عيسى ويحيى، ابني الخالة، فرحبا به، وقالا مرحبًا بالنبي الصالح، والأخ الصالح. ثم عرج به إلى السماء الثالثة فوجد فيها يوسف عليه الصلاة والسلام، فرحب به، وقال مرحبًا بالنبي الصالح، والأخ الصالح. ثم عرج به إلى السماء الرابعة فوجد فيها إدريس، فرحب به، وقال مرحبًا بالنبي الصالح، والأخ الصالح. ثم عرج به إلى السماء الخامسة فوجد فيها هارون عليه الصلاة والسلام، فرحب به، قال مرحبًا بالنبي الصالح، والأخ الصالح. ثم عرج به إلى السادسة فوجد فيها موسى عليه الصلاة والسلام، فرحب به، وقال مرحبًا بالنبي الصالح، والأخ الصالح. ثم عرج به إلى السماء السابعة فوجد فيها إبراهيم أباه عليه الصلاة والسلام (سيدنا محمد من ذرية إبراهيم عليه الصلاة والسلام) فرحب به إبراهيم، وقال مرحبًا بالنبي الصالح، والابن الصالح، مثلما قال آدم، مرحبًا بالنبي الصالح، والابن الصالح.
ثم عرج به إلى مستوى رفيع، فوق السماء السابعة، سمع فيهن من صريف الأقلام، التي يكتب بها القضاء والقدر، فكلمه الله، وفرض عليه الصلاه، يقول فُرضت علىّ خمسون صلاة كل يوم، فرجعت فمررت على موسى بن عمران فقال بما أمرت؟ قلت أمرت بخمسين صلاة كل يوم، قال إن الصلاة ثقيلة، وإن أمتك ضعيفة، فأرجع إلى ربك، فاسأله أن يخفف عنك وعن أمتك، فرجعت فوضع عني عشراً، فرجعت إلى موسى فقال مثله، وتكرر ذلك إلى أن أمرت بخمس صلوات كل يوم، فرجعت إلى موسى، فقال بما أمرت؟ قلت أمرت بخمس صلوات كل يوم، فقال لي مثل ذلك، فقلت قد راجعت ربي حتى استحيت منه، فهي خمس في الفرض، وفي الأجر خمسون.
وقيل أن الحكمة في المعراج، أن الله تعالى أراد أن يشرف بأنوار محمد صلى الله عليه وسلم، السماوات كما شرف ببركاته الأرضين فسرى به إلى المعراج، وسئل أبو العباس الدينوري لم أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس قبل أن يعرج به إلى السماء؟ فقال لأن الله تعالى كان يعلم أن كفار قريش كانوا يكذبونه فيما يخبرهم به من أخبار السماوات، فأراد أن يخبرهم من الأرض التي قد بلغوها وعاينوها، وعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل بيت المقدس قط، فلما أخبرهم بأخبار بيت المقدس على ما هو عليه، لم يمكنهم أن يكذبوه في أخبار السماء بعد أن صدقوا أخبار الأرض.