أم نـهـيــــدة
قصة قصيرة
بقلم الكاتب السوري
م ـ سامر الشيخ طه
كنتُ في الخامسة من عمري عندما سجَّلتني أمي
في روضةٍ للأطفال كانت هي الروضة الوحيدة في مدينتي الصغيرة
كانت المديرة وهي صاحبة الروضة امرأةً في عقدها
الرابع ذاتَ ابتسامةٍ لطيفةٍ لا تكاد تفارق وجهها
وكانت الروضةُ عبارة عن بيتٍ عربيٍ صغير فيه غرفٌُ ثلاثٌ
إدارةٌ وصفَّان وفناءٌ داخليٌّ صغير يؤدي إلى الغرف
سُعِدْتُ في البداية بدوامي في تلك الروضة حتى جاء يومٌ كنتُ أمشي فيه في الساحة أثناء الاستراحة
( الفسحة)
فإذا بصفعةٍ أتلقاها على خدي الأيسر أفقدتني صوابي
كانت المستخدمة
وتدعى ( أم نهيدة) هي من وجَّهَ لي تلك الصفعة وبدون مبرر أوعلى الأقل لم أدرِ أنا وما زلتُ حتى اليوم سبباً لتلك الصفعة القوية وذلك أنني لم أقم بأيِّ فعلٍ سيءٍ أو فيه إزعاج لأحد
ربما كان هناك سوء تفاهمٍ أو اشتباهٍ ما وأنا لا أعرفه
ومنذ ذلك اليوم لم أعد أطيقُ الذهاب إلى الروضة
وحتى اليوم أنا ما أزال أكره تلك القسمات العابسة
في وجه المستخدمة الظالمة ( أم نهيدة)
ولم تعد ابتسامة المديرة اللطيفة تخفِّفُ من آثار
الظلم الذي تعرضتُ له
وكنتُ أضع تلك الابتسامة الرقيقة مقابل تلك القسمات العابسة فترجح كفة الظلم على الرقَّة
عندما كبرتُ وتخرَّجتُ من الجامعة ونقلتُ مكان سكني إلى حيٍّ آخر كان عليَّ أن أذهب من بيتي إلى مقرِّ عملي عبر زقاقٍ ضيِّقٍ في المدينة القديمة
كنت أرى في هذا الزقاق إمرأةً مسنَّةً تجلس على باب بيتها منذ الصباح وإلى جانبها رجلٌ مسنٌّ كنتُ أظنُّه زوجها
عرفت لاحقاً أنَّ هذا الرجل هو أخوها
تساءلت عن وضع هذه المرأة وذلك الرجل فقال لي أحدهم أنَّ هذه المرأة كانت تعمل مستخدمةً لدى
الروضة التي كانت الوحيدة في مدينتي
رجعتُ بالعمر مايزيد عن عشرين عاماً وتذكرت تلك القسمات العابسة وتلك الصفعة المؤلمة والتي
كانت أوَّل ظلمٍ تعرضتُ له في حياتي
ومع أنني تعرضت للكثير من الظلم بعده إلا أنَّ أثر ذلك الظلم لم يزل هو الأقوى والأعنف في حياتي
وبعد أن تعرَّفتُ إلى أم نهيدة من جديد تملكتني
رغبةٌ في الانتقام ولكنني أدركت أن هذه الرغبة ليست رغبتي ولكنها رغبة ذلك الطفل المظلوم
أما اليوم فأنا لم أستطع أن أغفر لها ولم أستطع
أن أذكِّرها بما فعلتْ لأنها بلا شك قد نسيت مافعلته بعد لحظاتٍ من فعله
….أما أنا فلم أنسَ ولن أنسى تلك الصفعة التي حفرت
في وجداني
وماتت أم نهيدة وكبرتُ أنا وما أزال أحتفظُ بصورةٍ
للظلم بدأت مع صفعتها لي وأنا ابن خمس سنين
ولم تنتهِ حتى اليوم
وما زلتُ أكره تلك القسمات العابسة في وجهها كلما تذكرت صورة ذلك الوجه.
بقلم الكاتب السوري
المهندس : سامر الشيخ طه