

ويبقى الأثر
بقلم / عزة راضى
فى وقت الظهيرة وبأحد شوارع مدينتى
إمرأة شابة ترتدى كمامة سوداء تخفى كل ملامحها
وتخفى ما تبقى من وجهها بنظارة سوداء تحجب عنها الشمس وتحجب ملامحها عنى
وتمسك بيدها طفل فى الخامسة من العمر تقريبا
أستوقفتنى وبادرتنى بالتحية توقفت رددت عليها التحية
أمعنت النظر أليها أحاول معرفة هويتها
وتسآءلت فى نفسى من تكون
وعندما رأت حيرتى بدأت بكشف وجهها من النظارة والتخلص من الكمامة
فقد سألتنى :طبعا يا مس مش فاكرانى
كنت تلميذتك فى المدرسة
اجتهدت كى أتذكر ملامحها إلا أنه
كما أجهدت السنوات الذاكرة ولم أستطع تذكرها
إلا ان مرور السنوات أيضا غير فى ملامحها
بدأت الفتاة تذكرنى بأننى كنت معلمة الفصل فى مدرستها الثانوية
والتى كنت أراها بالزى المدرسى وهى فى سن المراهقة الذى كانت فيه الزهرات تتفتح وتزهر
بين طفولة راحلة وشباب وحيوية مقبلة
مرحلة تنزلق فيها الأعمار بين حياة لاتنتهى فيها الأسئلة
إلى حياة يزداد فيها الشغف والأمل
أما الآن فهى زوجة وأم لطفل تشبث بيدها
كما لو أنه يحتمى بها من الطريق
ومن الخوف من الحياة وكأنما هى له الطمأنينة
سألتها : كيف حالك
وبنظرة متعبة أجابت عن الكثير من حالها
قالت : الحمد لله
وأسترسلت فى الحديث
بأنها تخرجت من الجامعة وقبل التخرج بعام تزوجت
نزولا على رغبة الأسرة فى إتمام زواجها كمثيلاتها فى العائلة
وحتى لا يفوتها سن الزواج كما هو معتاد فى عائلتها ،
وبعد التخرج رزقت بهذا الطفل
الا أن القدر لم يمهلها كثيرا لتنال قسطا من الفرحة بزواجها وعائلتها الصغيرة ،
لقد فقدت زوجها بعد زواج لم يدم أكثر من عدة سنوات
أقل من عدد أصابع اليد الواحدة
إثر حادث سقوطه صريعا لتعرضه لصدمة كهربائية أثناء العمل
وهى الآن تقيم بطفلها أرملة حزينة مع عائلة زوجها
وعلى قدر حزنى لما وجدتها عليه وكنت أتمنى لها كل السعادة
على قدر مسرتى بلقائها
وأنها مازالت تذكرنى بخير كمعلمة أثرت فى حياتها ببعض من الود جعلها تهرع لأحضانى وتشكو مابها ،
وجعلنى أحتضن كل أحزانها
وأدعوها أن تصبر وتحتسب حتى يرزقها الله من السعادة بما يعوضها ويرضيها
فأجابتنى أننى أتمسك دائما بما كنتى تعلمينا من مبادئ أستاذتى
جعلنى هذا اللقاء أتذكر
أن العمل الصالح يدوم
وأن لسه الدنيا بخير …