تهاني عناني
قال الله تعالى (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (الزمر:10).
ورد ذكر الصبر في القرآن في أكثر من تسعين موضعًا، وذلك لعظمة موقعه في الدين، ويكفي أن كل الحسنات لها أجر محصور من عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصبر فإنه لا يحصر أجره لقوله تعالى (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب).
قال العلامة ابن عاشور (الصبر سكون النفس عند حلول الآلام والمصائب بأن لا تضجر ولا تسخط لذلك) وصيغة العموم في قوله
(الصابرون) تشمل كل من صبر على مشقة في القيام بواجبات الدين وامتثال المأمورات واجتناب المنهيات، ومراتب هذا الصبر متفاوتة وبقدرها يتفاوت الأجر.
وقوله (بغير حساب) دليل على الوفرة والتعظيم في الأجر والثواب، وفي ذكر التوفية، تأنيس لهم بأنهم استحقوا ذلك، لقوله تعالى (لهم أجر غير ممنون).
وهذا عام في جميع أنواع الصبر، الصبر على أقدار الله المؤلمة فلا يتسخطها، والصبر عن معاصيه فلا يرتكبها،
ولقد وصف كثير الصبر (بالصَبَّار) وهو الذي يجاهد نفسه على الصبر واحتمال الأذى، مصداقا لقوله تعالى (إن في ذلك لآياتٍ لكل صبَّار شكور)(إبراهيم:5).
وفضل الصبر عظيم، فقد أعطى الله الصابرين ثمانية أنواع من الكرامة:
أولها:- المحبة (وَاللهُ يُحِبُّ الصّابِرِينَ) (آل عمران:146).
والثاني:- المعية والنصر (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة:153).
والثالث:- غرفات الجنة (يجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا) (الفرقان:75).
والرابع:- الأجر الجزيل (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ).
والأخرى ذكرت في الآية (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (البقرة157:155).
والآيات في الأمر بالصبر وبيان فضله كثيرة،
يوصي الحق جل شأنه رسوله الكريم داعياً اياه للصبر، فيقول(واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا) (الكهف:28)
وقوله تعالى (فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل) (الأحقاف:35)
ويقول عز وجل (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين) (محمد:31)
وفي الأحاديث النبوية:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له) (صحيح مسلم).
ويقول صلى الله عليه وسلم (ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه) (صحيح البخاري).
ولقمان الحكيم يوصي ابنه بالصبر، والثبات،
على الشدائد والمحن، وذلك في قوله تعالى على لسان لقمان (واصبر على ما أصابك ان ذلك من عزم الأمور) (لقمان:17)،
ومن الصبر على العبادات قوله تعالى (استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين) (البقرة:153)،
وقوله عز وجل في الحديث القدسي (كلّ عمل ابن آدم له إلّا الصّيام فإنّه لي وأنا أجزي به) (صحيح البخاري). فالصائمون لهم أجرهم بغير حساب لصبرهم بصومهم.
وللصبر آثار طيبة على الأفراد والأسر والمجتمع لقوله تعالى (والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) (العصر3:1).