السلام النفسي
بقلم الكاتب والناقد الصحفي: شريف مسعود
سيدنا عمر قال: أعتزل ما يؤذيك
ولم يقل: تحمل ما يؤذيك ،
لأن أستمرارك وبقاؤك مع شخص يتسبب بـأذى لك ليس له إلا معنى واحد فقط أنك شخص تقلل من قيمة نفسك
فنحن لم نأت على هذه الدنيا من أجل أن نجامل ونضغط على أنفسنا من أجل أي شخص
مقولة لا تحتاج إلى تفسير ،
تمعن جيداً في حياتك
وفي علاقاتك وإن كانت نسبة تعاستك في تلك العلاقة تغلب نسبة سعادتك أعتزلها على الفور ، أبتعد ولا تلتفت وراءك
أبتعد عن كل ما يؤذيك عن كل ما يتعب روحك ويرهقها فلن تستطيع إرضاء أحد أبداً ولن يرضى عنك أحد مهما حاولت ، يكفي أنك عن نفسك راض
أعتزل ما يؤذيك حتى لو كنت تعتقد أن هذا القرار فيه خسارة لك ، فقد تكون أنت الرابح في النهاية وتقطف ثمار النصر ، أعتزل ما يؤذيك حتى لا يأتي يوم وتندم فيه وتتحسر على حياتك وما فاتك ،
فالقليل من العزلة الإيجابية حياة وتجديد وطاقة ، فالعزلة الجزئية تكون أحياناً أرضاً خصبة لتحفيز التحول الذاتي الإيجابي ، وتنمي القدرة على الاعتماد على النفس وعدم الانصياع لأحد…
فرصة كبيرة لتفهم نفسك أولاً، وتفهم أحتياجاتك وقدراتك بعيداً عن تأثير الآخرين وأذاهم
لا تتأثر بالأشخاص المؤذيين من حولك مهما بلغت قوتهم أو مدى حضورهم في تفاصيل يومك ، بل حصن واشغل نفسك بالتفكير الإيجابي
وتأكد أنك أنت من تقرر ما ترغب في الشعور به ، وهذا يعني أن لا أحد قادر على التأثير عليك في حال لم ترغب في أن يكون له هذا التأثير
كل ما يضرك ويوترك ويؤلمك ويهددك ويقلقك ويخيفك ويعكر سلام حياتك فهو أذى يجب اعتزاله وتوديعه فوراً،
وكلما كبرنا بالعمر وازدادت خبرتنا بالحياة أدركنا أنه ما كان علينا يوماً قبول الأذى، بل أعتزاله،
إن لم يكن قتله … قبولك للأذى ينهش أيامك ويشتت روحك ويعصف بذهنك ويتركك خاوياً خائر القوى
الحاجة إلى العزلة ربما كانت بسبب مخالطة أناس سيئى المعشر وربما كانت بسبب الحاجة إلى ترميم الروح وإعادة بناء الوجدان وتصفية الذهن من كل ما يشتته ويبعثره
فى الإعتزال والإبتعاد عن ثرثرات الناس ومشاحناتهم ونفاقهم ومواضيعهم إحترام للذات ومحافظة على سلامة النفس والروح
لم نأت لهذا العالم كى نؤذى بعضاً أو يرهق أحدنا الآخر ، ولو علم المؤذى أنك قادر على أعتزاله وإبعاده عن حياتك ما آذاك وما أشقاك يوماً ، بل وليست العزلة هى ما خلقنا لأجله ،
بل صنعنا الله فى قبائل وشعوب لنتعارف ونتعامل ونعمر هذا الكون ،
لكن على الأرض حياة صعبة بها الكثير من صنوف الأذى وعلينا معرفة كيفية التعامل معها وتجاوزها
خلقك الله سبحانه إنساناً حراً، لك إرادة وعزم وشخصية وعقل يجعلك ترفض الأذى وتقاومه…
هناك من يعتزل الناس والأحداث والأماكن لفترة محددة يصلح بها ما تلف وهناك من يعتزل دائماً وأبداً ، كما فى عالم التدين فنجد حكماء وفلاسفة وصالحى الأثر وطيبى الذكر ورسلاً وأنبياء ،
مروا بهذا الاعتزال وتركوا لغو البشر بين طيب وشرير، بين كائد وضحية، أختاروا أن يقوموا بالتعبد لله ، والتأمل فى خلق الله والتفكر فى الكون ومراقبة دقائق الأمور والتسبيح والاستغفار عن طريق الاعتزال والاختلاء بالنفس ومحاسبتها ،
ومراجعة النعم وشكر الله عليها، فكانت الوحدة عبادة كما قيل بالمثل الشعبى الدارج
كل ما يصيب الروح من جراح وألم وأذى يكون أقسى بكثير من الأذى البدنى أو الملموس باليد،
ليس من حق أحد كائناً من كان أن يؤذيك وليس عليك تحمل ذاك الأذى تحت أى مسمى أو ضغط اجتماعى أو أبتزاز عاطفى ،
وعندما تعلو الضحكات الزائفة والود الكاذب والنفاق ، وعندما تشوش الأفكار وتختلط عليك الأمور ، فعليك بالإبتعاد عن كل ذاك الصخب والصورة الضبابية ، بالاعتزال وممارسة التفكر وإعمال العقل وتدبر الأمور من بعيد بهدوء وسلام.