رسالةعلى قيد السفر *
استوقفتني كثيرا جدا هذه الرسالة ‘ فمن أين أبدأ ‘ كيف ابدأ ‘ ماذا أكتب ‘ مالون الظرف الذي سأضعها فيه ‘ مالون الحبر الذي سأكتبك به ‘ ما رائحة العطر التي تناسب الورق الأبيض ‘ أشياء كثيرة يا حبيبتي ‘ لعلي لن أستطيع تذكرها لتوي ‘ فهي تتزاحم في ذاكرتي كحبات مطر أتى بعد غياب طويل .
أعلم بأني مازلت أخفق مع كل رفة جفن ‘ ومع كل نسمة ريح ‘ ومع كل اهتزاز ورق النارنج في حديقة بيتي ‘ بل أعلم بأني أتلعثم كطفل يتأتئ بأولى حروفه ‘ ربما يخونني القلم مرة ‘ وربما تخونني الكلمات مرة أخرى ‘ وربما تغتالني ابتسامة مازالت عالقة في مخيلتي فأتعثر في التعبير كما يجب ‘ هنا لابد من الاعتراف بأن الموت وإن لم يأت لكنه سوف يصيب ورقتي البيضاء ‘ وفي وقت ما سوف يأكل نصيبه من جسدي العاري تماما إلا من صورتك التي كتبتها أنت ذات ليلة ولم تستطع السنون أن تمسحها إلى أن تأذن السماء بذلك .
لست على يقين بأنك ستقرئين رسالتي ‘ لكني واثق من أنها ستصل إلى ضفاف التلة تلك التي جمعتنا على جبينها ‘ وإلى تلك الموجة العاتية التي أتت كي تنسج حكاية آخر الليل لكنها فرت خاسرة مهزومة ‘ مكسورة الخاطر ‘ وإني لواثق من أن الريح الصرصر التي حاقت بنا ستحملها إلى حيث أنت ‘ فرغم قساوتها ‘ وشقاوتها ‘ إلا أنها تحمل الكثير من الحب بين ثناياها ‘ أتعلمين ذلك !!! … أظنك تعلمين …
سوف يخبرك الجميع بأنك مازلت أميرة النساء ‘ وبأنك سيدة هذا القلب الذي كاد أن يحال إلى التقاعد مرغما ‘ فكما انحنى عرش بلقيس ذات زمن أمام سليمان ‘ وكما فر يوسف من امرأة العزيز ‘ وكما عصفت رياح الخماسين بجبل أصم ‘ سوف أبقى منحنيا أمام سمراء لن تتكرر مرة أخرى ‘ بل لن تأتي من تستطيع أن تزحزحها من برجها الذي بنته في زحمة القلوب ‘ إنها أنت التي قارعت كل شيء ‘ وانتصرت ‘ كي يبقى هذا الانتصار راسخا إلى الأبد .
الآن فقط سوف أضع رسالتي في ظرفها العاشق كما أنا ‘ وأتركها كي تسافر إليك كيف تشاء ‘ فتناولي قهوتك بلا خجل ‘ ودعي النافذة مواربة ولو إلى حين
*****
وليد.ع.العايش
١٢ رمضان/ ٢٠٢٣ م