خارطة طريق في عالم الكتابة الشّعريّة
1- في الشّعر العموديّ:
– من المهمّ الاطّلاع والحفظ لروّاد الطبقة الأولى من الشّعراء وهم امرئ القيس مؤسّس بنية القصيد العربيّ الفنّية وأمير التّشبيه والقصصيّة وبعده زهير بـــن أبــــــي سُلْمى صاحب الحوليّات ومؤسّس مدرسة عبيد الشعر أي العاكفين علـــى صقلهِ في مدة زمنيّة قد تصل الحول بين كتابة ومراجعة ونشر.
ويأتي في المرتبة الثّالثة النّابغة الذبياني شاعر السّــــــلام ورائدهم في الشّكــــوى والاعتذار في عفّة وكرامة ما عدا إباحيّته في المتجرّدة التي كانتْ درسًا في الرّسمِ بالكلمة .
أمّا رابعهم فهوالأعشى صنّاجة العرب وشاعر الخمر واللّذة.
إنّ هولاء الفحول هم زبدة الشّعر العربي ومن جاء بعدهم حام حولَهم وسار في فلكهم إلى حد جريرٍ وللإضافة البنّاءة لا بدّ من الوقوف حفظا ودراسة على الشّعراء المحدثين والمولّدين على رأسهم
بشّار بن بــرد وتصويره الفنّي وهـــو الأعمى وإن غلبت عليه النّزعة الحسيّة
وبعده يأتي أبي نواس في غنائيّة شعره لارتكازه على البحور القصيرة والخفيفة على السّمع كذلك محاولته التّجديديّة في شكل القصيد في خمريّاته
كما يضاف إليهما مسلم بن الوليد وتفنّنهِ في البديع والصّنعة
والأهم بينهم النّابغة أبو تمّام الذي يعتبر جسرًا بين من قبلهُ ومن بعده وإنّ تجربته في الكتابة لحريّة بالوقوف مع صبرٍ لتعلّم القوّة التعبيرية وليدة مزج عجيب بين الشّعر والفلسفة
والإغراب بحثًا عن التميّز والتّفرّد وإنّ أبا تمامٍ ليعتبرُ مسْودّة لمن جاء بعـــده على رأسهم تلميذيه المتنبّي والمعرّي.
أمّا من حيث البحور فحسب الشّاعر الالتزام بأربع هي أجملهـــا وقد استحسنها الّنقاد والشّعراء فحٍريّ بعاشق الشّعر العموديّ الغوص فيها بين حفـــــظٍ ووقوف بالممارسة التطبيقيّة على أنواع استعمالاتها وزحافاتها وعللها فقد كان يعشقها الشّعراء لهذا نجدها التهمت ثلاثة أخماس الشّعر العربِيّ
وهي الطويل والبسيط والكامل والوافر.
2- في شعر التّفعيلة:
في هذا النّوع يجدر الوقوف عند كتابات رائديه نازك الملائكة وبـــــدر شاكر السّياب النّظريّة والتّطبيقيّة خاصّة في الرّمـــــز والإيحاء والتناصّ مع الأسطورة.
ومن حيث التفعيلة فيستحسن استعمال المتقارب والكامل والرّمل والوافر كسلّم إيقاعيّ وإن كان هناك من مزج وبالـــــغ في الخلط بين البحور في القصيــــــــد الواحد فبعثر الإيقاع وأفقده عمقه الموسيقِيّ.
3- في قصيدة النّثر:
يعتبر المرجع الأمّ كتاب سوزان برنار ” قصيدة النّثر من بودلير إلى اليوم”
فإنّ رواد هذا النّوع من الكتابة على رأسهم جماعة مجلّة شعر ومديرها يوسف الصّائغ ورفاقه أدونيس وأنسي الحاج ومحمد الماغوط قد أسّسوا رؤيتهم لتحديد خصائص هذا النّوع الجديد المقاوم على هذا الكتاب.
على هذا الأساس يحتاجُ المغرمون بقصيدة النّثر وليس الشّعر النّثري إلى الاطّلاع على كتابات هؤلاء الشّعراء الثائرون والمتمرّدون على الشّـــعر العموديّ تحرّرًا
كما يعتبرون من قيوده الشّكلية التي لم تواكـــب العصر وأصلا نزعة التّحرّر المتأصِّلة في الإنسان. ونذكر مثالا لا حصرا
ديوان “لن” لأنسي الحاج و” سأخون وطني” لمحمّد الماغوط
مع التأكيد على أدونيس وتجربته مع التصوف ويوسف الخال وغيرهما.
ومن حيث البناء الفنّي ينبغي التّركيز على عناصر أساسيّة في قصيد النّثر وهي الاقتضاب البليغ والوحدة الموضوعيّة والتّكثيف والتّركيز.
أمّا من حيث الإيقاع الخارجيّ فمن المهمّ الاعتماد على السّكون في خاتمة كل جملة شعريّة خاصّة إذا كانت هناك أجراس موسيقِيّة شبيهة بالتّقفية.
4- في الومضة الشّعريّة أو التّـوقيعة :
فيبقى المنبع هوَ مؤسّس هذا النّوع الشّعري الذي يزال يقاوم بصعوبــة بولادة قيصريّة وإنعاش تـجْريبيّ استفادة من الشّعر الغربي خاصّة منه الانجليزي أو أليابانيّ
من الهايكو والتّانكا ونقصد بالتّحديد عــــز الدين مناصرة ومن لفّ لفهُ في ملحمته الكنعانيّة كما يصفها في الكتابة والتي كانت توقيعاته سنة 1964
المأخوذة عن الهايكو اليابانيّ تتويجًا لهـــــا كمحاولة تأسيسيّة للومضة الشعريّة .
ولا بد من ملاحظات منهجيّة تعتبر عناصــر وظيفيــــّة وعضويّـــــة في الومضة الشّعرية وهي على النحو التّالي:
– قصر طول الومضة الشّعرية بحيث لا تتجاوز في الحــــــــــدّ الأقصى الأربعة أسطر.
– أهمّية القصصيّة أو الحكائيّة في كتابتها مع الإعتماد على الايجاز البليغ والتكثيف والتّركيز والتّرميز والإيحاء والوحدة العضويّة
والأهمّ المفارقة الصّادمة التي تحدّث الدّهشة والإبهار كوميض البرق ومن ذلـــــــك كان اشتقاقها في التّسمية كومضة شعريّة خاطفة.
– من حيث الوزن والإيقاع فرغم أهميّته فيبقى مرتبط بخيار الشّــاعـــر وتوزيعهِ على امتداد النصّ بشكل يراعي فيهِ الإيجاز والمكوّنات الفنّيّـــة الأخرى كالقصصيّة والتّكثيف والتّركيز والتّرميز والإيحاء والانزيـــــاح الدلاليّ وخاصّة الوحدة العضويّة
فيأتي بذلك الوزن مكمّلا وظيفيّا ذو قيمة فنّية وجماليّة متناغمة مع عناصر الومضة الشّعريّة.
بقلم مراد بن بركة
مجلة ومضات